بعض السعوديين الذين يدخلون ويخرجون من الصالات الخاصة في مطاراتنا يعتقدون للأسف أن كل السعوديين مثلهم. يرتدون أجمل الثياب، ويغتسلون بدهن العود، ويمتطون أحدث السيارات. فهم لا يعبرون نفس الأبواب والشوارع التي نعبرها. أضحوا لا يشعرون بحاجة وظروف بعض مواطنيهم الذين لا يملكون ما يسد جوعهم ويقيم أودهم
جزم معلق سعودي في موقع (العربية نت) أن الشاب الذي ظهر في تقرير القناة عن (الكدادة) ليس سعوديا. يعتقد المعلق أن أبناء جلدته لا يستخدمون سياراتهم الخاصة لإيصال الزبائن. لكن ليسمح لي هذا المواطن الكريم أن أقول له إن ذلك الشاب الذي التقاه مراسل العربية الزميل عبد المحسن القباني سعودي ونص. وسيشرفني حقا لو قام هذا المواطن الكريم بتلبية دعوتي لنذهب معا إلى أي مطار سعودي ليشاهد مئات (الكدادة) السعوديين الذين ينتشرون وحدانا وزرافات أمام بوابات الخروج.
بعض السعوديين الذين يدخلون ويخرجون من الصالات الخاصة في مطاراتنا يعتقدون للأسف أن كل السعوديين مثلهم. يرتدون أجمل الثياب، ويغتسلون بدهن العود، ويمتطون أحدث السيارات. فهم لا يعبرون نفس الأبواب والشوارع التي نعبرها. أضحوا لا يشعرون بحاجة وظروف بعض مواطنيهم الذين لا يملكون ما يسد جوعهم ويقيم أودهم.
من الطبيعي ألا يلبوا رغباتهم من خلال مواقع المسؤولية التي يتصدون لها. فكيف يجدون حلولا لمشاكل لا يرونها ولا يلمسونها؟ والأدهى والأمر أن انطباعاتهم ورّثوها لأبنائهم الذين باتوا يعتقدون أيضا أن جلّ شبابنا يرتدون قمصان (لارف لورين) ويدخلون على الإنترنت عن طريق (الآيباد) أو (الآيفون)، مثل الذين يشاهدونهم في السولدير في بيروت أو النايتس بريدج بلندن أو التحلية بالرياض، بينما الواقع يقول عكس ذلك تماما.
يقول لي شاب يافع أقلني من مطار الملك عبدالعزيز بجدة قبل نحو عام إنه ينام في السيارة. فلا يملك المبلغ الكافي لتأجير غرفة منذ أن جاء من مسقط رأسه في جنوب المملكة. يودع كل ما يحصل عليه من أجر، مقابل إيصال الزبائن، في حساب والده الذي يصرف على خمسة من إخوته وأخواته وأمه. بدر الذي لم يتجاوز 20 عاما يقود سيارة باستمارة منتهية، ويقتات على الساندويتشات التي يقطفها من المطاعم الملوثة على أطراف الطريق والمشروبات الغازية التي تزاحم عبواتها الفارغة المسافرين في سيارته الصغيرة.
بعض السعوديين يحتاجون أن نأخذهم في جولة على شوارع المملكة ومدنها ليعرفوا أن الأغلبية لا تضع مواليدها في أجنحة فارهة في مستشفيات خاصة.
هناك سعوديون لا يجدون أسرة في مستشفيات حكومية لإجراء عمليات حرجة وعاجلة. هناك من لا يستطيعون شراء الحليب من الصيدلية لأطفالهم. هناك سعوديون يقفون منذ الفجر في الطوابير الطويلة للدخول في قوائم الضمان الاجتماعي التي لا مكان لهم فيها.
هؤلاء لم يقرؤوا ما نشر عن تورط رجال أعمال وأكاديميين وموظفين في مراتب عالية في الحصول على مخصصات من الضمان الاجتماعي (عكاظ، 8 ديسمبر 2010)؛ كونهم مشغولين بمتابعة الدوريات الأوروبية. فحتى 800 ريال التي يأمل أن يحصل عليها المحتاج من الضمان الاجتماعي أصبح لا يجدها. فهناك من يزاحمه عليها بل ويخطفها منه.
مشاكل وطننا لا تحل بإدارة ظهورنا لها والتنصل منها، بل بمواجهتها ومحاولة التعرف على أبعادها ومسبباتها. ومن ثم العمل على إيجاد حلول عملية لها. ظللنا عقودا طويلة نتبرأ من وجوه أبنائنا. نسبناهم لغيرنا وزعمنا أنهم ليسوا منا. إنهم سعوديون ونص. ونحن جميعا من يستحق اللوم والعتاب لأننا انصرفنا عن قضاياهم وهمومهم وأزماتهم وانشغلنا بمواضيع ثانوية لا تغني ولا تسمن من جوع.
من السهل جدا أن تشرب (اللاتيه) ساخنا وأنت مستلق على أريكة فخمة وتعلق على المواقع الإلكترونية وتقول هذا سعودي وذاك لا. لكن من الصعب أن تقوم بمساعدة هؤلاء وتحاول استثمارهم وطاقاتهم. فلنبدأ من اليوم بالعمل على كل ما من وسعه ازدهار شبابنا ونموهم. فكما يقول كايرولي: "الفاقة هي أم الجريمة".